الاثنين، 27 يونيو 2011

من بلد شهادات الى بلد عمال !!!!


مصر تاريخياً مشهور عن أهلها أنهم أهل حرف ومهن ، فالشعب المصري من أقدم شعوب العالم ويتميز بأنه قدم للإنسانية حضارة شاهدة على تفرّد هذا الشعب بخصائص جعلته يبدع في كل مجال دخل فيه ، فقد أبدع المصريون في الزراعة والصناعة والعمارة ، حتى في الحروب كانوا مبدعين على مر التاريخ .
هذه المقدمة أستهلُّ  بها هذا الحديث عن ما اعترى الشخصية المصرية في المائة سنة الأخيرة على وجه التحديد ، وكيف تحولت هذه الشخصية منذ منتصف القرن الماضي بعد تبني عبد الناصر للفكر الاشتراكي من شخصية منتجة مبدعة إلى شخصية اتكالية انهزامية انسحابية ، ثم بعد ذلك في عهد السادات ومن بعده مبارك إلى شخصية انتهازية عدوانية تجيد كل أساليب الفهلوة والتحول للوصول إلى المأرب .
الشعب المصري على مر التاريخ شعب معطاء منتج ، ولقد تحوّل في العقود الأخيرة بفضل السياسات التعليمية الفاشلة إلى شعب محبط قلّ فيه الإبداع ، أصبح يستهلك ما ينتجه له الآخرون ( إن استطاع أن يشتريه ) .
تاريخ الدولة المصرية  منذ عصر الأسرات إلى الدولة الرومانية واليونانية ثم عصر صدر الإسلام ثم  الدولة الأموية فالعباسية وصولاً إلى دولة المماليك ...... الخ ، وهذه العناوين لدول متعددة مرت  بهذا المكان لم تأخذ منه بقدر ما أضافت له ، فمصر هذه الأرض التي يندر أن تجد بغيرها هذا التنوع من الآثار لكل هذه العصور ، استطاع شعبها أن يعطي في كل مرحلة  ، ويترك أثراً على هذا العطاء في البناء الحضاري للإنسانية جمعاء .
إذن ماذا حدث للمصريين  في المائة سنة الأخيرة وما السبب في أن تتحول مصر التي كانت حتى عهد محمد على وأبناءه بلد الصناع المهرة الذين كانت تستعين بهم عاصمة الخلافة في الأستانة  في بناء حضارتها ، هل هو الاستعمار أم ماذا !!!
في رأيي الشخصي إن محاولة نظام الحكم في مصر في بداية الخمسينات مع جمال عبد الناصر في البحث عن هوية لمصر هي التي أفقدت هذا الشعب توازنه ، فلم يستطع حاكم أن يفرض هوية على المصريين كما فعل عبد الناصر ، ولو راجعتم التاريخ ستجدون أن الفراعنة أنفسهم لم يفرضوا هوية على المصريين  ، فالفراعنة كانوا يحكمون شعباً يعرفون خصائصه فهو محب للاستقرار ، فالاستقرار يساوي  هوية هذا الشعب بحكم استناد أغلبيته على الزراعة ، عبد الناصر أتى وأصّر أن يولّي وجهه بنا نحو الشرق حيث روسيا والنظام الاشتراكي الذي يجعل كل مقدرات الوطن في يد الحكومة هي التي تديرها لتعيد توزيعها بالعدل ، أو هكذا أراد .... فأصبح الشعب ينتظر غذاءه وكسوته من الحكومة وهو نفسه الشعب الذي اعتاد على مر التاريخ على استقلالية مدخولاته بل انه هو الذي كان يعطي الحكومة ، رويداً رويداً انعكس ذلك على نظام التعليم الذي افرز لنا جيلاً من الخريجين كل همهم أن يجلسوا على مكاتب الحكومة انتظاراً لإعانة على رأس كل شهر في صورة راتب .
تكدّس الهيكل الإداري للدولة فتخرج الملايين بشهادات عليا ومتوسطة ولا يملكون حرفة أو مهنة وبالطبع لم يجدوا لهم مكاناً في طابور الإعانات .... فما الحل ؟؟!!!
الحل السحري الذي ربما حدث لأول مرة في تاريخ مصر عبر آلاف السنين  ظهر في السبعينات فمصر التي كانت قبلة المهاجرين الباحثين عن عمل أصبحت طاردة للسكان ، وأصبح الملايين من أهلها يسعون إلى مكاتب السفر والهجرة بحثاً عن فرصة عمل بالخارج ، وبما أنهم يحملون شهادات ولا يجيدون حرفة أو صنعة فلم تغنِ عنهم الشهادات ولم تضف لهم ميزة عن صاحب العمل ، وأصبح خارج مصر في يومنا هذا أكثر من 10 ملايين في شتى بقاع الأرض أغلبهم " عمّال " ، وللأسف كلهم يعملون في أدنى المهن وبأقل الأجور
الدولة لم تهتم بتدريب هؤلاء طوال الستين سنة الماضية فقط اهتمت بأن يحصلوا على أعلى الشهادات ،وبعد أن حصلت مصر على لقب " بلد شهادات "  الآن وبجدارة تحصل على لقب " بلد عمّال " .
و للحديث بقية

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق